معهد ريادة الأعمال الوطني في السعودية (برنامج ريادة): رحلة دعم وتمكين روّاد الأعمال

مقدمة

يمثل معهد ريادة الأعمال الوطني، المعروف باسم “ريادة”، أحد الأعمدة الرئيسية التي تعتمد عليها المملكة العربية السعودية لتحقيق أهداف رؤيتها المستقبلية 2030، من خلال تعزيز ثقافة ريادة الأعمال، وتمكين الأفراد من تحويل أفكارهم الإبداعية إلى مشاريع تجارية واقعية تسهم في تنمية الاقتصاد الوطني. فقد أصبح دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة ضرورة استراتيجية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، وفي هذا السياق، برز دور “ريادة” كجهة حاضنة ومحفزة للمواهب الشابة وأصحاب الطموح الريادي.

تأسيس المعهد ورؤيته

تأسس معهد ريادة الأعمال الوطني عام 2006 كمبادرة وطنية مشتركة بين عدد من الجهات الحكومية والخاصة في المملكة، بدعم من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ووزارة التعليم، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وعدد من الشركاء الاستراتيجيين. وقد تم تصميم هذا الكيان لتقديم الدعم المتكامل للمبادرين والمبادرات في جميع أنحاء المملكة من خلال برامج تدريبية، وتمويلية، وإرشادية تساعدهم على البدء بمشاريعهم الخاصة وإدارتها بكفاءة.

تتمحور رؤية ريادة حول بناء مجتمع ريادي متميز، يضم شباباً سعوديين يمتلكون المهارات والمعرفة لتأسيس وإدارة مشروعات ناجحة، تساهم في خلق فرص عمل مستدامة وتدعم الاقتصاد المحلي.

الأهداف الاستراتيجية لمعهد ريادة الأعمال

يعتمد المعهد على مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي تشكل جوهر رسالته، ومن أبرزها:

• نشر ثقافة ريادة الأعمال والعمل الحر بين فئات المجتمع، خاصة فئة الشباب من خريجي الجامعات والمعاهد والكليات.

• تقديم الدعم الفني والاستشاري والتدريبي للمبادرين في جميع مراحل المشروع، من الفكرة حتى التشغيل والنمو.

• تهيئة بيئة داعمة ومحفزة للمشروعات الصغيرة والناشئة من خلال التكامل مع الجهات التمويلية والاستثمارية.

• تعزيز الابتكار وريادة الأعمال كأحد محركات التنمية الاقتصادية المستدامة.

الفئات المستهدفة

يركز برنامج ريادة على فئات معينة من المواطنين الراغبين في دخول عالم الأعمال، وتتضمن هذه الفئات:

• الشباب من الجنسين من خريجي الجامعات والكليات التقنية.

• العاطلين عن العمل الباحثين عن فرص اقتصادية من خلال إنشاء مشاريعهم الخاصة.

• الموظفين الذين يرغبون في التفرغ للعمل الحر.

• أصحاب المشاريع القائمة الراغبين في تطوير مشاريعهم وتحسين أدائها.

البرامج والمبادرات المقدمة من “ريادة”

1. برنامج “إرادة”

يعد برنامج إرادة أحد أبرز مبادرات “ريادة”، وهو موجه لخريجي الجامعات والمعاهد التقنية والفنية الراغبين في التوجه نحو العمل الحر. يتضمن هذا البرنامج مراحل متعددة تبدأ بالتدريب، مرورًا بإعداد خطة العمل، ثم مرحلة التقديم للتمويل والتوجيه والإرشاد بعد بدء المشروع.

2. برنامج “الخريجين”

صُمم هذا البرنامج لدعم خريجي الجامعات والمعاهد المتوسطة والكليات التقنية الذين لا يمتلكون وظيفة دائمة ويرغبون في تأسيس مشاريع خاصة. يشمل البرنامج دورات تدريبية مكثفة على إدارة المشروعات، ومهارات إعداد خطة العمل، ومهارات تسويق المشروع.

3. برنامج “الناشئين”

يستهدف هذا البرنامج الفئة العمرية الصغيرة (من عمر 15 عامًا إلى 25 عامًا)، ويهدف إلى غرس ثقافة العمل الحر والوعي المالي والتجاري لديهم من خلال ورش عمل تفاعلية ومناهج تعليمية مبسطة.

4. برنامج “دليل”

يتناول هذا البرنامج تدريب المستشارين والمدربين الذين يعملون مع ريادة بهدف توحيد المفاهيم وتطوير مهارات الإرشاد والاستشارة في بيئة العمل الريادي.

5. برنامج “مباشر”

يستهدف أصحاب المشاريع القائمة والراغبين في تطويرها من خلال تقديم استشارات فنية ومالية وتسويقية، بالإضافة إلى خدمات الدعم الفني والمتابعة المستمرة.

آليات الدعم والتمويل

أحد أبرز المزايا التي يقدمها معهد ريادة هي توفير الدعم التمويلي من خلال شراكة استراتيجية مع بنك التنمية الاجتماعية. وتُعد هذه الشراكة العمود الفقري في تمويل المشاريع الناشئة. يحصل المتقدمون على تمويل يصل إلى 300,000 ريال سعودي لبعض البرامج، ويصل إلى 500,000 ريال لبعض المشاريع النوعية.

يتم ذلك وفق شروط ومعايير محددة، ويشمل التمويل شراء المعدات والتجهيزات، وتأجير المقر، وتغطية تكاليف التشغيل المبدئية. يرافق ذلك برنامج متابعة وإشراف على مدار عامين لضمان استقرار المشروع ونجاحه.

مراحل إنشاء المشروع مع ريادة

يتبع ريادة نموذجًا دقيقًا لإنشاء المشاريع يبدأ من الفكرة حتى التشغيل:

أثر “ريادة” على الاقتصاد والمجتمع

لقد نجح معهد ريادة في دعم آلاف المشاريع في مختلف مناطق المملكة، وساهم في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وتحفيز الابتكار، وتنشيط القطاعات غير النفطية. وفقًا لتقارير صادرة عن بنك التنمية الاجتماعية، تجاوز عدد المشاريع الممولة عن طريق “ريادة” أكثر من 27,000 مشروع حتى عام 2023، توزعت في مجالات متنوعة مثل:

• التجارة والخدمات

• التقنية والابتكار

• الحرف اليدوية

• الصناعة الخفيفة

• الخدمات المنزلية

• المشاريع النسائية مثل مشاغل التجميل والمقاهي والمكتبات التعليمية

وقد أدت هذه المشاريع إلى تعزيز مؤشرات ريادة الأعمال في المملكة، حيث ارتفع تصنيف السعودية في مؤشر “سهولة ممارسة الأعمال” ومؤشر “الابتكار العالمي”، كما ساهمت “ريادة” في تعزيز مشاركة المرأة في القطاع الريادي، حيث تمثل المشاريع النسائية نسبة لا يُستهان بها من إجمالي المشاريع المعتمدة.

الشراكات الإستراتيجية والتكامل المؤسسي

يعمل معهد ريادة ضمن منظومة متكاملة مع العديد من الجهات الحكومية والخاصة، ويشمل ذلك:

• وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية: لدعم التوظيف الذاتي.

• وزارة التعليم: لنشر ثقافة ريادة الأعمال في المدارس والجامعات.

• بنك التنمية الاجتماعية: لتمويل المشاريع.

• الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة “منشآت”: لدعم بيئة الأعمال.

• القطاع الخاص: لتوفير فرص شراكات تسويقية ولوجستية للمبادرين.

تسهم هذه الشراكات في تسهيل الإجراءات، وتوفير الدعم المتعدد الجوانب، وربط رواد الأعمال بالأسواق المحلية والإقليمية.

التحديات التي تواجه رواد الأعمال في السعودية

رغم الجهود المكثفة التي يبذلها معهد ريادة، لا يزال أمام ريادة الأعمال في السعودية بعض التحديات التي تتطلب المعالجة المستمرة، مثل:

• صعوبة الوصول إلى الأسواق التنافسية.

• محدودية الخبرة الإدارية لدى بعض المبادرين.

• التحديات التقنية والرقمية لبعض الأنشطة.

• مقاومة بعض الفئات الاجتماعية لفكرة العمل الحر.

• ضعف ثقافة المخاطرة في المجتمع.

ومع ذلك، يسعى المعهد عبر برامجه التدريبية والإرشادية إلى تهيئة رواد الأعمال لمواجهة هذه التحديات بثقة واستعداد.

مستقبل “ريادة” في ضوء رؤية السعودية 2030

في ظل التوسع في البرامج الوطنية الداعمة لريادة الأعمال، يمثل معهد “ريادة” أداة محورية في تنفيذ مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تسعى إلى:

• رفع نسبة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي من 20% إلى 35%.

• خفض معدل البطالة إلى أقل من 7%.

• زيادة مساهمة المرأة في سوق العمل.

• تعزيز مكانة السعودية كوجهة جاذبة للاستثمار وريادة الأعمال في الشرق الأوسط.

وسيسهم “ريادة” من خلال تحديث برامجه، وإطلاق مبادرات نوعية رقمية، وتوسيع شبكة الفروع والشراكات، في تحقيق هذه الرؤية عبر تمكين جيل جديد من الرواد.

خاتمة

أثبت معهد ريادة الأعمال الوطني أنه نموذج رائد في تمكين الشباب السعودي، وتحويل الطموح إلى واقع اقتصادي ملموس. وبفضل دعمه المؤسسي المتكامل، وشبكة برامجه المتخصصة، وشراكاته الاستراتيجية، استطاع أن يكون منصة حقيقية للإقلاع نحو عالم الأعمال، بما ينسجم مع طموحات المملكة في بناء اقتصاد متنوع ومستدام. إن الاستثمار في رواد الأعمال هو استثمار في المستقبل، وريادة تؤسس لهذا المستقبل بكل كفاءة وعزيمة.

المراجع:

1. موقع معهد ريادة الأعمال الوطني: https://www.riyadah.com.sa

2. تقارير بنك التنمية الاجتماعية السعودي، 2023.